يواجه المدير الفني الإيطالي كارلو أنشيلوتي مشاكل لا تحصى بعد تعاقده لتدريب منتخب البرازيل لكرة القدم، حيث سيكون أمامه ما يقرب من 12 مباراة فقط قبل قيادته الفريق في بطولة كأس العالم 2026، إذا كان يريد أن يقود منتخب "راقصو السامبا" للتتويج بها.
وتتمثل أولى الصعوبات أمام أنشيلوتي في حل المشاكل الدفاعية، وتعزيز خط الوسط، واختيار قائمة لا تعتمد بشكل مفرط على نيمار، الذي دائما ما يعاني من الإصابات.
وأعلن الاتحاد البرازيلي لكرة القدم أمس الاثنين أن المدرب المخضرم (65 عاما) سيرحل عن فريقه الحالي ريال مدريد الإسباني قبل عام واحد من نهاية عقده، لتولي تدريب المنتخب البرازيلي في 26 مايو الجاري، عقب انتهاء المرحلة الأخيرة من منافسات الدوري الإسباني مباشرة، دون الكشف عن تفاصيل الصفقة.
وقال إدنالدو رودريجيز، رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم: "تأثير أنشيلوتي يتجاوز النتائج، فهو مدرب استراتيجي يستطيع تحويل الفرق إلى أساطير، سوف تشكل البرازيل، بتقاليدها الفريدة، وأنشيلوتي، برؤيته الثورية، شراكةً ستخلد في التاريخ".
وواصل رودريجيز حديثه عن أنشيلوتي قائلا: "إنه أعظم مدرب في التاريخ، وسيقود الآن أكبر منتخب وطني في العالم".
ولا يبدو تفاؤل رودريجيز في محله تماما لمن تابعوا منتخب البرازيل خلال العامين الماضيين.
وسيكون التحدي الأول لأنشيلوتي هو إعادة الثقة للفريق، صاحب المركز الرابع حاليا في تصفيات قارة أمريكا الجنوبية المؤهلة للمونديال، الذي تلقى خسارة مدوية 1-4 أمام غريمه التقليدي المنتخب الأرجنتيني، بعد سلسلة من العروض السيئة، التي تسببت في إقالة دوريفال جونيور من منصبه كمدير فني للفريق، تماما كما حدث مع سلفيه رامون مينيزيس وفرناندو دينيز.
ووفقا للتقارير الإخبارية الأخيرة، فإن حقبة أنشيلوتي بدأت بالفعل بمحادثات مع لاعبين برازيليين رئيسيين سبق لهم اللعب في كأس العالم، يأتي في مقدمتهم نيمار، الذي لا يزال يتعافى من الإصابة بقطع في الرباط الصليبي الأمامي للركبة، والتي تعرض لها مع فريقه سانتوس البرازيلي، وكاسيميرو، لاعب وسط مانشستر يونايتد الإنجليزي.
ولا يوجد حتى الآن أي لاعب بمقدوره تعويض غياب كليهما في صفوف منتخب البرازيل، وإذا أراد أنشيلوتي إعادة اللاعبين المخضرمين، البالغين من العمر 33 عاما، إلى التشكيلة، فسيحتاج إلى خطط لعب واضحة للعب بهما وبدونهما.
أزمة الإبداع
ويعاني خط وسط المنتخب البرازيلي من مشكلةً أيضا، وهو ما تسبب في إحباط العديد من أبرز مهاجمي الفريق.
ويواجه لوكاس باكيتا، الذي بدا مستعدا لقيادة خط الوسط في التشكيلة الأساسية للفريق، اتهامات من جانب سلطات كرة القدم الإنجليزية بتلقيه بطاقات عمدا خلال مباريات في بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز للتأثير على أسواق المراهنات، وهو الأمر الذي ينفيه اللاعب البرازيلي.
ولم يقدم لاعبون آخرون، ممن خضعوا لاختبارات في هذا المركز، ومنهم رودريجو لاعب ريال مدريد، وأندرياس بيريرا لاعب فولهام الإنجليزي، وجيرسون لاعب فلامنجو البرازيلي، أداء يطمئن الجماهير حتى الآن.
وتسبب الافتقاد للأداء المبدع من جانب لاعبي خط الوسط في الحد من قدرة المهاجمين فينيسيوس جونيور، ورافينيا، وماتيوس كونيا، وإندريك على التسجيل.
ومن المتوقع أيضا أن يشكل خط الوسط الدفاعي للبرازيل مشكلةً لأنشيلوتي، ولذلك استدعى اللاعب المخضرم كاسيميرو، الذي فاز معه بالعديد من الألقاب في الريال، وكان برونو جيماريش وجويلينتون، لاعبا نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، آخر محاولة للتغيير.
وتبرز مجموعة أخرى من اللاعبين القادرين على القيام بهذا الدور، لكن لا توجد خيارات واضحة لمنتخب البرازيل، مما يجعل أنشيلوتي مضطرا للبحث عن بدائل.
انهيار دفاعي
تعتبر مشاكل منتخب البرازيل الدفاعية صادمة مقارنة بالسنوات الست التي قضاها المدرب تيتي بين عامي 2016 و2022، فقد استقبلت شباك الفريق 31 هدفا في 25 مباراة فقط منذ مونديال قطر الماضي، أي أكثر بهدف واحد من الأهداف التي تلقاها الفريق في 81 مباراة خاضها تحت قيادة تيتي.
وحتى لو لم يقدم نجوم المنتخب البرازيلي الأداء الجيد المنتظر منه، فسيتم الحكم على أداء أنشيلوتي من خلال قدرته على إصلاح دفاع البرازيل، كما فعل في الأندية التي عمل بها.
وعلى عكس القوة الهجومية لمنتخب البرازيل، الذي يضم العديد من اللاعبين المميزين وبعض الخيارات الجيدة في مقاعد البدلاء، افتقر دفاع الفريق لسنوات إلى المواهب في مركزي الظهير الأيمن والأيسر.
لم ينجح أي من اللاعبين الذين تم الاستعانة بهم منذ عام 2022 في محاكاة تقاليد البرازيل في هذين المركزين، اللذين يضمان لاعبين مهاجمين يعرفون أيضا كيفية التصدي للمنافسين.
أحد الحلول الممكنة، التي استخدمها لويز فيليبي سكولاري، المدير الفني الأسبق لمنتخب البرازيل، في كأس العالم 2002، هو أن يختار أنشيلوتي ثلاثة مدافعين وجناحين للعب بالقرب من خط الوسط، لكن الفريق سيواجه صعوبة أيضا في إيجاد ثلاثة مدافعين من الطراز الرفيع في حالة بدنية جيدة.
ولم يتمكن الثنائي الدفاعي الحالي، ماركينيوس وجابرييل ماجاليس، من إضافة الثقة المطلوبة، كما تشير الأرقام، ولا يزال إيدير ميليتاو، وهو مدافع آخر يبدو مفضلا لدى أنشيلوتي، عائدا من الإصابة.
حتى في حراسة المرمى، سيتعين على أنشيلوتي اتخاذ قرارات مصيرية بشأنها.
وتولى أليسون بيكر حراسة عرين الفريق في آخر نسختين لكأس العالم، عندما خرجت البرازيل من دور الثمانية، ومع بداية الموسم الجديد وإصابة حارس مرمى ليفربول الإنجليزي، تولى إيدرسون مورايش، حارس مرمى مانشستر سيتي الإنجليزي المسؤولية.
ولكن بعد ذلك، أصيب إيدرسون واستعاد أليسون مكانه الأساسي. وبينما كانا يتنافسان على مركز الحارس الأساسي، أصيب كلاهما، مما أدى إلى تولي بينتو المسؤولية ضد الأرجنتين.
التاريخ
هذه ليست سوى المشاكل الميدانية التي سيواجهها أنشيلوتي، كما أن المشاكل القانونية المتعلقة برئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، إدنالدو رودريجيز، قد تشتت الانتباه، فالجماهير لا تصبر على الأداء الضعيف، ولا يزال هناك احتمال ضئيل ألا يتأهل الفريق للمونديال لأول مرة في تاريخه، فالفرق الستة الأولى في أمريكا الجنوبية سوف تتأهل مباشرة للبطولة، التي تقام في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وقال جالفاو بوينو، معلق محطة "تي في باند" التليفزيونية، والذي يعتبر متحدثا باسم جماهير البرازيل، إن أنشيلوتي سيحتاج إلى مساعدة محلية لمواجهة هذه التحديات.
وصرح بوينو: "سوف يأتي أنشيلوتي يمساعديه، لكن لديه أصدقاء في البرازيل، كافو وكاكا، والأهم من ذلك كله، باولو روبرتو فالكاو" في إشارة إلى ثلاثة لاعبين دوليين سابقين تردد إنهم ربما ينضمون للجهاز الفني.
وتابع: "سيتولى أنشيلوتي تدريب المنتخب البرازيلي في وقت يواجه فيه الاتحاد البرازيلي لكرة القدم تحديات كبيرة".
ولا يبدو الأمر جديدا على منتخب البرازيل، فإذا كان للتاريخ أي معنى، فإن الفريق لم يفز إلا بلقب واحد من أصل خمسة ألقاب توج بها في كأس العالم كمرشح للفوز قبل البطولة وذلك في نسخة المونديال عام 1962، بصفته حاملا للقب في ذلك الوقت.
وفي عام 2001، قبل عام واحد من آخر لقب لمنتخب البرازيل في كأس العالم، خسرت تشكيلة سكولاري في بطولة كأس أمريكا الجنوبية "كوبا أمريكا" على يد منتخب هندوراس المتواضع.
وكان النجمان رونالدو وريفالدو يعانيان من الإصابات، فيما وجه النقاد انتقادات لاذعة لخطة 3/5/2، التي كان يعتمد عليها سكولاري، لسبب بسيط هو أن البرازيل لم تفز بأي لقب في ظل هذه الاستراتيجية.
وفي النهاية، قد يتعين على أنشيلوتي أن ينظر إلى التاريخ بحثاً عن بعض الإلهام، وربما ينظر إلى دليل هاتفه بحثاً عن بعض الأصدقاء المحليين الذين من الممكن أن يساعدونه، قبل أن يبدأ عمله الفعلي مع البرازيل.