السبت 11 أغسطس 2012
11:44 ص
لندن - (د ب أ)-
عندما ترى أسامة يسبح ، تشعر وكأنه مادة خام.. هكذا عبرت والدة السباح التونسي الشهير أسامة الملولي عن طبيعة ابنها بكلمات قليلة تنم عن الكثير.
وفي كل مرة يساور فيها القلق المتابعين للملولي ويشعرون بأنه ليس قادرا على تقديم المزيد ، يبرهن الملولي على أنه سباح من طراز فريد ولديه دائما ما يقدمه على عكس كثير من التوقعات.
وبينما بدا لكثيرين أن الملولي ليس قادرا على تكرار ما حققه في أولمبياد بكين 2008 عندما فاز بذهبية سباق 1500 متر ليصبح أول سباح أفريقي يتوج بطلا أولمبيا على مستوى الذكور ، كان الملولي على موعد جديد مع التألق والنجاح الأولمبي من خلال الدورة الحالية (لندن 2012) .
ورغم اعتذاره عن عدم خوض سباق 400 متر ، استهل الملولي مسيرته في الأولمبياد الحالي بإحراز ميدالية برونزية لم تكن متوقعة من قبل الكثيرين حيث حل في المركز الثالث بسباق 1500 متر رغم اتجاه الرهان الأكبر صوب سباق عشرة كيلومترات بالمياه المفتوحة وهو السباق الذي تأهل من خلاله إلى الأولمبياد الحالي.
ولكن ذلك لم يكن كافيا للملولي الذي أراد إبهار الجميع بإنجاز أفضل لم يسبقه إليه أي سباح آخر حيث توج أمس الجمعة بسباق عشرة كيلومترات ليصبح أول سباح في التاريخ يحرز ميدالية أولمبية في كل من سباقات المسبح وأخرى في سباقات المياه المفتوحة.
ولم يعد الملولي علامة مسجلة على المستويين العربي والأفريقي فحسب وإنما أصبح علامة بارزة أيضا في تاريخ السباحة العالمية.
والمثير للدهشة أن الملولي كان مهددا بعدم المشاركة في الأولمبياد الحالي طبقا للوائح الاتحاد الأولمبي البريطاني (بوا) التي تنص على حرمان اللاعبين ، الذين يثبت تعاطيهم المنشطات ، عن المشاركة في الدورات الأولمبية مدى الحياة.
وكان الملولي واحدا من الرياضيين الذين أدينوا في الماضي بانتهاك قواعد مكافحة المنشطات.
ولكن آمال (بوا) في الحصول على موافقة بمنع الرياضيين البريطانيين المدانين سابقا في قضايا منشطات من المشاركة في الدورة الأولمبية تبددت بحكم من المحكمة الدولية للتحكيم الرياضي (كاس) والتي قضت بالسماح للرياضيين الذين قضوا مدة عقوبتهم بالمشاركة في الأولمبياد.
وسبق للملولي أن قضى عقوبة بالإيقاف 18 شهرا بعدما كشفت اختبارات الكشف عن المنشطات تعاطيه مادة محظورة.
وحالف الحظ الملولي في عام 2008 بانتهاء فترة عقوبته قبل أولمبياد بكين بفترة وجيزة فلم يكن أمامه سوى أسبوعين ولكنهما كانا كافيين للتأهل إلى الأولمبياد الذي أصبح من خلاله أول سباح أفريقي على مستوى الذكور يتوج بطلا أولمبيا وأول سباح عربي على مستوى الذكور والإناث يحقق هذا الإنجاز.
وبعدها بعام واحد ، أضاف الملولي إلى رصيده إنجازا آخر بإحراز ذهبية السباق نفسه (1500 متر) وفضيتي 400 و800 متر حرة.
ولكن الإصابات ، التي لحقت به بعد ذلك منذ عام 2009 ، أثرت سلبا على مستواه مما أسفر عن نتائج مخيبة للآمال في بطولة العالم الماضية.
وقال الملولي "بعد كل التدريبات التي أديتها ، وجدت أن أدائي ما زال قاصرا وفشلت في التأهل لنهائيات سباق 1500 متر. وبعد هذه الإخفاقات ، قررت أن أتغير وأغير استراتيجيتي".
وأضاف "وجدت أن أفضل فرصي ستكون في سباق عشرة كيلومترات بالمياه المفتوحة. وقررت أن أشارك في سباق 1500 متر بالأولمبياد ولكن دون المشاركة في سباق 400 متر حتى أركز في سباق المياه المفتوحة".
وكان القرار حكيما بالفعل حيث تسيد الملولي سباق المياه المفتوحة قاطعا المسافة في ساعة واحدة و49 دقيقة و55 ثانية متفوقا على الألماني توماس لورش بفارق 4ر3 ثانية والكندي ريتشارد واينبرجر الذي حصد الميدالية البرونزية بفارق 8ر1 ثانية أخرى.
وأعرب الملولي عن أمله في أن تمنح هذه الميدالية الذهبية السعادة للشعب التونسي. وقال "أعتقد أن بلدي مر بالكثير من الأحداث. خاصة في عام الثورة ، وأتمنى أن يشعر كل تونسي بالسعادة ويفتخر بإنجازي. هذا شيء كنا نحتاجه بالتأكيد".
وأكد الملولي أنه لم يحسم موقفه من الاعتزال بعد وأنه بحاجة إلى الاحتفال والفرحة بإنجازه الأولمبي والحصول على بعض الراحة أولا قبل اتخاذ قراره بهذا الشأن.
وأوضح أن فوزه التاريخي بسباق عشرة كيلومترات بالمياه المفتوحة سيفتح الطريق أمام العديد من السباحين للمشاركة في كل من سباقات المسبح وسباقات المياه المفتوحة.
وقال الملولي "ليس هناك أفضل من إنهاء مسيرتك الرياضية بذهبية.. ولم يحدث هذا من قبل في الرياضة التونسية.. أحتاج للاحتفال أولا بما حققته ثم الحصول على قسط من الراحة بعد الإصابات التي عانيت منها في الماضي والجهد الكبير الذي بذلته لتحقيق هذا الإنجاز ، وبعدها أتخذ قراري بشأن الاعتزال".
وأضاف الملولي "بعد واقعة إيقافي عام 2007 بسبب المنشطات ، أدركت أن لدي موهبة من عند الله وأنه من الضروري الاعتناء بها وراهنت على إثبات أنني رياضي نظيف ونجحت في الفوز بالميدالية الذهبية لسباق 1500 متر في أولمبياد بكين 2008 ".
وأوضح الملولي أن إدانته بتعاطي المنشطات في عام 2007 لم يترك أي أثر سلبي على مسيرته الرياضية لأن المادة المحظورة التي أدين بتعاطيها كانت ضمن مكونات حبوب يتناولها من أجل السهر لمساعدته على الدراسة في الجامعة ولم تكن بهدف الغش الرياضي.
وأكد الملولي أنه يخضع الآن لنحو عشرة اختبارات للكشف عن المنشطات سنويا وتأتي نتيجتها جميعا سلبية.
وأشار "تعلمت من ذلك الكثير وحرصت على المحافظة على نفسي والتأكد من سلامة كل ما أتناوله.. ولكنني عانيت من إصابات عديدة منذ عام 2009 وبذلت جهدا كبيرا للعودة بقوة وتحقيق ميداليتين للتونس والعرب في الأولمبياد الحالي".
وأكد الملولي أنه وثق بنفسه وكانت ثقته كبيرة بالله الذي أكرمه بهذا التتويج والإنجاز التاريخي الذي جعله أفضل السباحين على مدار تاريخ الرياضة التونسية والعربية.
وأشار الملولي "سباحة المياه المفتوحة تختلف تماما عن سباقات المسبح.. يمكن مقارنة سباق عشرة كيلومترات بسباق الماراثون في ألعاب القوى لأنه من أصعب السباقات في البرنامج الأولمبي".