نجم غانا والحق في الحلم.. قدوس من تضحية والدته إلى بيت كشاف مانشستر يونايتد الذي غير مسيرته
محمد قدوس نجم منتخب غانا
كتب: مصطفى جمال
يحلم كل أب وتأمل كل أم في أن تشاهد نجلها لاعبًا مشهورًا بعالم كرة القدم، على خطى العديد من نجوم الكرة العالمية، ويسعون لدعم ابنهم لتحقيق هذا الحلم المنشود، الذي سيكون في طريق ليس مفروشًا بالورود عادة، وسيحتاج للعديد من التضحيات للوصول إلى القمة، وهذا ما حدث مع محمد قدوس نجم منتخب غانا، الذي أصبح فارس الأحلام لمشجعي البلاك ستارز، والذي سيكون قائدًا للجيل الجديد لمنتخب بلاده، بعد تألقه في الملاعب الأوروبية.
محمد قدوس الذي ولد في الثاني من أغسطس عام 2000، في حي نيما بمدينة أكرا الغانية، المأهول بعدد كبير من السكان، معظمهم من المسلمين، ويعملون للحصول على قوت يومهم، ومن بينهم والدته مارياما سليمان وجدته أيضًا، الذين ساهموا في تربيته مع إخوته الثلاثة الأكبر سنًا.
كانت والدته تعمل في بيع وجبة " Tuo Zaafi" والتي تشبه العصيدة في مصر، ونشر قدوس فيديو عبر حسابه على إنستجرام، تظهر فيه عدة صور لوالدته أثناء بيعها للطعام في السوق، وظهر صوت اللاعب الغاني وهو يعلق على تلك الصور قائلًا: "لقد خاطكرت بحياتها لتعتني بي وبعائلتي".
ألمح قدوس إلى أن عائلته لم تكن غنية ولا فقيرة في الحي الشعبي بأكرا، ولكنه لم يذهب إلى الفراش جائعًا أبدًا، ولكن ربما كان هذا لأن شخصًا آخر غالبًا ما ضحى بنفسه من أجل ذلك.
قدوس الذي أحب كرة القدم منذ صغره، اتجه لممارسة اللعب مع فريق "Dynamic Heroes" بالحي الذي كان يسكن فيه، لكن حلمه كان أكبر من هذه الحدود، ليبحث عن الطريق لتحقيق ما يتمناه، والذي وجده وهو يبلغ العاشرة من عمره، على بعد بضع مئات من الكيلومترات في أكاديمية " Right to Dream" الغانية، أو (الحق في الحلم)، التي أصبحت نقطة انطلاقه لتحقيق أحلامه بالفعل.
كان مدربه عبد الكريم زيتو، مهتمًا بموهبته، واقترح عليه الالتحاق بالأكاديمية، ولم يتمكن والدا قدوس من تحمل الرسوم، ولكن بمساعدة زيتو، حصل الموهوب الغاني على منحة دراسية للتواجد في الأكاديمية، واستطاع الموازنة بين ثقل مهاراته الكروية والالتزام بواجباته المدرسية.
أنشأت هذه الأكاديمية عام 1999، في مدينة أكرا بغانا، عن طريق توم فيرنون رئيس كشافة مانشستر يونايتد السابق بالقارة السمراء، خلال عهد المدرب السير أليكس فيرجسون، الذي لم يكن يتمتع فقط بالقدرة على اكتشاف المواهب بفضل رؤيته الثاقبة، بل أيضًا كان يمتلك قلبًا كبيرًا دفعه لبناء هذا المشروع الضخم.
رحب توم فيرنون وزوجته هيلين بعدد صغير من الأولاد الموهوبين في منزلهم، ليوفرون لهم مكانًا للتدريب والبحث عن أحلامهم، ومن هذه البداية الصغيرة، ولدت أحلام كبيرة كانت أحدها من نصيب محمد قدوس نجم منتخب غانا الحالي، والذي انضم لها، وذلك في مقرها الجديد بقرية أكراد الواقعة على ضفاف نهر فولتا في شرق غانا، وذلك بعدما أتاحت هذه الخطوة للأكاديمية زيادة قدرتها الاستيعابية من 40 طالبًا إلى ما يزيد قليلاً عن 100 طالب.
اتخذت الأكاديمية الغانية خطوات كبيرة نحو التوسع، بإنشاء أكاديمية في الولايات المتحدة، وإطلاق أول أكاديمية سكنية بالكامل للفتيات في أفريقيا، حيث اهتمت الأكاديمية بمنح فرص عادلة للموهوبين، وأن تكون بيتهم الثاني وليس مجرد مكان لتعليم مهارات كرة القدم.
وفي تلك الفترة كان محمد قدوس يتطور داخل الأكاديمية، بحثًا عن التحول إلى لاعب محترف بالقارة العجوز، وقال ديدي دراماني مدربه داخل الأكاديمية ثم مع ناديه الدنماركي أيضًا في تصريحات لصحيفة ذا أثلتيك: "لقد جاء بعمر صغير، من فريق مدرسي يقع في قلب أكرا، لديه عائلة كبيرة، ويحب والدته كثيرًا عندما كان في الدنمارك ثم هولندا، أخذ والدته معه".
وأضاف: "لقد استخدمته في البداية كرقم 8، ورقم 6 في خط الوسط، وبعد ذلك قمت وفي بعض الأحيان، لعبنا به كظهير أيسر، لديه أشياء كثيرة، يمكنه فقط أخذ الكرة من لاعب خط الوسط وقيادة الفريق، كان لديه القدرة على التسديد، والتمرير، والمراوغة، والتحكم في الإيقاع".
وأكمل: "عندما يركض في المساحات، يكون في قمة مستواه، يمتلك عضلات كبيرة، حتى عندما كان صبيًا صغيرًا، كان يتنمر على أقرانه عندما كانت الكرة معه".
وفي المقابل أصبح فيرنون مالكًا ورئيسًا لنادي نورشيلاند الدنماركي، ليتحول الفريق الأوروبي إلى مقر لاستقبال المواهب القادمة من أكاديمية " Right to Dream"، وعلى رأسهم محمد قدوس، الذي انتقل لصفوف الفريق الدنماركي عام 2018 بشكل رسمي.
تحدث مسؤولي نورشيلاند عن قدرات قدوس، في تصريحات نقلتها صحيفة ذا أثلتيك، حيث كان ينتظر الحصول على تصريح وأنه تألق مع فريق تحت 23 عامًا في مباراة ودية ضد ليفربول، حيث سجل هدفًا وقاد الفريق للفوز بنتيجة 5-2، فهو لا يشعر بالضغط سواء كانت المباراة ودية أو رسمية، حيث يمتلك الثقة لإدراكه لحجم إمكانياته.
تألق محمد قدوس مع ناديه الدنماركي، جذب أنظار أندية أوروبا الكبرى، حيث سجل 14 هدفًا في 51 مباراة بالدوري، لينتقل إلى فريق أياكس الهولندي في صيف عام 2020.
تألق محمد قدوس استمر مع نادي أياكس، الذي سجل بقميصه 27 هدفًا في 87 مباراة بمختلف المسابقات، ليظفر فريق وست هام يونايتد الإنجليزي بخدماته في الصيف الماضي، بعقد يمتد لخمس سنوات مقابل 45 مليون يورو تقريبًا، ليسجل أفضل أرقامه بإحرازه 13 هدفًا مع الهامرز هذا الموسم في 27 مباراة بمختلف المسابقات.
وبالتوازي مع تألقه في أوروبا، كان قدوس يحفر اسمه مع منتخب غانا الذي انضم له للمرة الأولى في عام 2019، ولكنه نال ضربة موعجة بتعرضه للإصابة في الضلوع التي أبعدته عن منافسات كأس الأمم الأفريقية الماضية عام 2021.
عاد قدوس للمشاركة مع منتخب بلاده في المباراة الفاصلة ضد نيجيريا، ليساهم في تأهل البلاك ستارز لمونديال 2022، والذي أكد فيه على موهبته المميزة، بتسجيله ثنائية ضد كوريا الجنوبية، ورغم توديع منتخب بلاده من دور المجموعات لكنه ترك ذكرى خاصة لدى جماهير كتيبة "النجوم السوداء"، حيث أصبح يمثل لهم فارس الأحلام المنتظر، الذي سيعيد الأمجاد الغائبة.
غاب قدوس عن المشاركة في مباراة منتخب بلاده الأولى بكأس الأمم الأفريقية ضد كاب فيردي، لتخسر كتيبة المدرب كريس هويتون بهدفين مقابل هدف، لكن عاد من الإصابة لينقذ منتخب غانا من توديع البطولة مبكرًا، بتسجيله ثنائية في شباك منتخب مصر، في لقاء انتهى بالتعادل بنتيجة 2-2.
ولم يكن قدوس الوحيد الذي منحته الأكاديمية الغانية فرصة تمثيل منتخب بلاده في أكبر البطولات القارية، حيث يتواجد ثلاثي آخر مشارك في كأس الأمم الأفريقية من خريجي الأكاديمية، وهم مواطنه إرنست نوواما، والإيفواري سيمون أدينجرا، وأداما نجالو لاعب بوركينا فاسو.
أحلام قدوس التي بدأت في الأكاديمية الغانية، تحولت إلى حقيقة وربما تصبح أكبر مما كان يحلم، وفي المقابل يوجد العديد من الناشئين الذين ينتظرون مثل تلك الفرصة، لذلك قامت أكاديمية " Right to Dream" بالتعاون مع مجموعة منصور الاستثمارية، لتعزيز نموها، بشراكة وصلت قيمتها إلى 100 مليون يورو، لإنشاء ناديان جديدان في مصر باسم "tut fc" للرجال والسيدات، بالإضافة إلى بناء أكاديمية جديدة في مصر، وذلك بهدف تنمية أعمالها في غانا واستكمال نجاحاتها بالدنمارك أيضًا.
ويتواجد نادي "توت عنخ آمون" الذي يمثل الأكاديمية بمصر، في دوري الدرجة الثالثة لكرة القدم للرجال، كما يتنافس في الدوري الممتاز للكرة النسائية واستطاع التتويج بلقبي كأس مصر وكأس السوبر المصري للكرة النسائية.
وبدأت الأكاديمية عملها في مصر بالتعاون مع مؤسسة منصور جروب منذ عام 2021، حيث قامت باختبارات ضمت أكثر من 60 ألف لاعب على مستوى جميع المحافظات في مصر، لاختيار اللاعبين الموهوبين للالتحاق بالأكاديمية.
وافتتحت أكاديمية " Right to Dream" في أكتوبر الماضي، في مدينة بادية المستدامة بـ 6 أكتوبر في محافظة الجيزة، وهي مخصصة للطلاب بين 10 إلى 18 عامًا.
وتهدف الأكاديمية على إتاحة نموذج تعليمي للمواهب المصرية، على الصعيد المدرسي والتدريبي، من أجل منح طلابها فرصة مستقبلًا في أندية معروفة عالميًا، وكذلك على صعيد مؤسسات عالمية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتتواجد الأكاديمية الغانية في مصر على مساحة 16 فدانًا، وتضم مدرسة وثلاث ملاعب لكرة القدم، بالإضافة إلى سكن للأولاد وآخر للفتيات، كما يوجد مقر سكني متعلق بمعسكرات التدريب.
وكشفت الأكاديمية عن أنها عقدت شراكة مع 39 طالبًا رياضيًا تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عامًا، يمثلون الدفعة الأولى على الإطلاق من أبناء أكاديمية "الحق في الحلم" بمصر.
في المونديال الماضي بقطر 2022، شارك 7 لاعبين من خريجي الأكاديمية في البطولة، وهم: محمد قدوس، كمال الدين سليمانا وكمال سواه مع غانا، بالإضافة إلى ميكيل دامسجارد وأندرياس سكوف أولسن وفيكتور نيلسون وماتياس يانسن مع الدنمارك.
وربما قد نشاهد في المونديال المقبل أو الذي يليه خريجي أكاديمية "رايت تو دريم" ولكن من أبناء مصر الذين ستتغير مسيرتهم الرياضية والتعليمية، ليصبحوا نجوم المنتخب الأول، بعقلية مختلفة، من أجل قيادة بلادهم لتحقيق الأحلام كما حدث مع قدوس ورفاقه.
فيديو قد يعجبك: